ركوب أمواج المستقبل

لا يقوم استباق التوجهات المستقبلية دائماً على فكرة التنبؤ بأحداث معينة أو نتائج معينة، بل يعتمد على الاستعداد للاستجابة لما هو غير متوقع.

تخيل أنك تركب موجة ضخمة تتحرك بسرعة. لن تعرف حينها متى وكيف ستنكسر هذه الموجة- ربما تبطئ الرياح البحرية قمة الموجة، أو ربما يجبرها تيار بحري تحت الماء على الانهيار قبل الوقت المتوقع.

لا بد من معرفة القليل عن الرياح السائدة والمياه الضحلة. ولكن في نهاية المطاف، قدرتك على البقاء على لوح الركمجة لا يقوم على معرفة بالضبط كيف ومتى سوف تنكسر الموجة، ولكن على تملك الرشاقة والمهارة والخبرة للتفاعل مع كل ما قد يأتي في طريقك.

بالنسبة للعاملين في المجال الإنساني، تشبه مجاراة التوجهات السريعة ممارسة ركوب الموجة (الركمجة). وفيما يمكننا أن نكون على معرفة وثيقة ببعض التوجهات – مثل استمرار ارتفاع درجات الحرارة في العالم، وأن دورات الجفاف والعواصف ستتكثف، وأن التكنولوجيا ستغير حياتنا بشكلٍ جذري – فإننا لا نعرف كيف ستتفاعل هذه التوجهات وإلام ستؤدي كل هذه الديناميات المعقدة.

إن العاملين المجال الإنساني ليسوا وحدهم في تشككهم بالمستقبل. فالعديد من المفكرين وعباقرة التكنولوجيا الفائقة والمهتمين في المستقبل والمتنبئين الماليين عموماً يتفقون على مجموعة صغيرة من الأمور الأساسية فقط: وتيرة التغيير سوف تزداد، وشبكة الترابط التي تميز حياة الحداثة سوف تصبح أكثر تعقيداً، ولا أحد يعرف حق المعرفة إلى أين سوف تأخذنا الموجة.
• هل ستزيد الفجوة بين الأغنياء والفقراء أم ستتناقص؟
• هل ستختفي الأوراق النقدية؟
• هل ستتغير مراكز النفوذ ورأس المال والتجارة؟
• إلى أيّ مدى سيتضخم حجم المدن في العالم؟
• متى يمكن أن يصبح السفر إلى الفضاء حقيقة واقعة؟
• ما الذي سيعنيه صعود الذكاء الاصطناعي والروبوتات بالنسبة للبشر؟
• ما الذي يمكن أن تكون عليه عواقب الهندسة الوراثية على النباتات والحيوانات والبشر؟
• ما هو متوسط عمر الوفاة بعد ثلاثين عاماً؟
• ما هو مستقبل الحرب؟
• ما هي أوجه التقدم في إنتاج الطاقة والغذاء التي سنستفيد منها؟

المستقبل غامض

تكمن بعض الإجابات عن هذه الأسئلة في ما يحدث الآن. لنأخذ مسألة المال. وفقاً لإحدى الدراسات، حوالي 80 في المائة من السكان في بعض المناطق الحضرية في الصين، على سبيل المثال، لا يستخدمون اليوم أي نقود ورقية في معاملاتهم اليومية. تحدث كل المعاملات المالية إلكترونياً من خلال الهواتف المحمولة. وتكشف الإحصاءات عن اتجاه مماثل في بعض المناطق الريفية في أفريقيا.

وماذا عمّا يسمى “الآلات الذكية”؟ أشكال بدائية للغاية من الذكاء الاصطناعي تلعب دوراً كبيراً بالفعل في حياتنا اليومية – في هواتفنا وسياراتنا ومنازلنا. في كل مرة يقوم فيها شخص بإجراء عملية شراء أو إجراء بحث على شبكة الإنترنت، على سبيل المثال، تتبع أجهزة الكمبيوتر هذه الأنشطة ثم تستخدم الصيغ الرياضية المعقدة لتعريف المستهلكين، والتنبؤ بالسلوك المستقبلي والتسويق المباشر لاحتياجاتهم الممكنة – وكل ذلك بدون أي مدخلات بشرية.

وتستخدم الحواسيب أيضاً الخوارزميات لاتخاذ قرارات تداول الأوراق المالية من الدرجة الثانية، وإنتاج تحليلات نمذجة الطقس أو إخبار أنظمة أسلحة معينة بكيفية التصرف في ظروف معينة.

هناك نقاش كبير حول مدى سرعة انخراط الذكاء الاصطناعي والروبوتات في جوانب أكبر من حياة الإنسان. ولكن العديد من المفكرين يتوقعون أنه كلما زادت وتيرة وتعقيد الحياة، سيصبح البشر معتمدين أكثر فأكثر على الذكاء الاصطناعي لمساعدتهم على التكيف. فعندما يقترن البعض بالتكنولوجيات المتطورة الأخرى – الهندسة الوراثية أو تحسين البشر – يتنبأ البعض بأن البشر يمكنهم وخلال أجيال قليلة أن يصبحوا كائناً مختلفاً للغا

قد يبدو هذا ضربٌ من المبالغة. ولكن هذا الادعاء يستند إلى تطورات جارية في الوقت الحالي. تقوم عدة شركات بتطوير أنظمة لتحسين البشر، مثل هياكل خارجية ميكانيكية لتحسين القوة البدنية. بينما يعرض آخرون تركيب أشكال مختلفة من تكنولوجيا النانو (الأجهزة المجهرية وأجهزة الكمبيوتر) في أجسام بشرية لتحسين البصر، وتوفير التصريح الأمني ​​أو تتبع الحالة البيولوجية للشخص.

في حين تمثل هذه التقنيات العديد من الفوائد الممكنة، فإنها تأتي أيضاً مع الكثير من العبء الأخلاقي والتداعيات الإنسانية المحتملة. هل يمكن استخدام تكنولوجيات تحسين البشر استخداماً ضاراً أو هل يمكن زيادة احتمال وقوع انتهاكات للقانون الإنساني؟ هل سيكون تداخلنا المتزايد مع التكنولوجيا مصدراً للحرية أم سيتركنا أكثر عرضة للوقوع تحت سيطرتها؟ إذا كانت الروبوتات أو البشر شبه الآليين أو المحسنين يقومون بمزيد من العمل، فماذا سيعني هذا للعمال وأسرهم والمجتمعات المحلية؟ هل ستؤثر هذه التغييرات على الناس بالتساوي حول العالم؟

بقلم: مالكولم لوكارد
مالكولم لوكارد: محرر مجلة الصليب الأحمر والهلال الأحمر

Photo: Travis Lyssy/Travis Lyssy Photography

المستقبل محلي

ليست كل التوجهات والابتكارات مدفوعة بالتكنولوجيا الجديدة. كما لم تتطور جميعها في مختبرات ممولة تمويلاً جيداً في الاقتصادات المتقدمة في شمال أو غرب العالم. تحدث العديد من الابتكارات في مجتمعات حول العالم حين يكتشف الناس طرقاً جديدة لمعالجة مشاكلهم الخاصة المعقدة.

على سبيل المثال: يولد مزارع إندونيسي ذبابة (الكتماء المعتمة) التي تأكل القمامة في قاع المجاري لتسبب انسداد المياه والفيضانات. في حين تساعد الحشرات البالغة على منع الفيضانات، يمكن استخدام يرقات ذلك الذباب لإطعام حيوانات المزرعة.

وقد لفتت هذه الفكرة انتباه جمعية الصليب الأحمر الإندونيسي (PMI) والاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر وجامعة هامبورغ ومختلف المانحين الذين تعاونوا لإنشاء “صندوق للابتكار” يبحث عن أفكار رائدة لمنع الفيضانات ليقدموا لها الدعم.

يقول كارلوس ألفاريز، الذي يعمل في مجال الابتكار والاتصالات المستقبلية في وحدة السياسات والاستراتيجيات والمعرفة التابعة للاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، إن الابتكارات تحدث بالفعل في المجتمعات المحلية. يتعلق الأمر بتمويلهم وحضانة مشروعهم حتى يتمكنوا من نشر أفكارهم بين المجتمعات على نحوٍ أكثر فعالية لتحقيق أثرٍ على نطاقٍ أوسع”.

إن فكرة الذبابة (الكتماء المعتمة) هي مجرد واحدة من العديد من الأفكار التي ظهرت في العام الماضي ضمن مساعي الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر واللجنة الدولية للصليب الأحمر والجمعية الوطنية إلى قراءة التوجهات الناشئة والمستقبلية ودعم الأفكار التي ستساعد الحركة على استباق تلك الموجة – وهو موضوع رئيسي للاجتماعات التنظيمیة لعام 2017 للحرکة الدولیة للصلیب الأحمر والهلال الأحمر، المقرر عقدھا في اسطنبول في مطلع تشرين الثاني/ نوفمبر.

وسيركّز منتدى RC² الذي سيعقد خلال الاجتماعات على المعضلات الحالية والمستقبلية، فضلاً عن الحلول الممكنة. الأفکار التي ستبرز خلال المنتدى سوف تکمل المناقشة في الجمعیة العامة للاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، وتقدم إضاءات للمناقشات والقرارات خلال مجلس المندوبین، وستساعد في توجيه جدول أعمال المؤتمر الدولي للصليب الأحمر والھلال الأحمر في العام 2019.

ولكن في ضوء طرح العديد من الأسئلة والقضايا، يبقى التحدي الذي تواجهه الحركة غير متعلق بالضرورة بالتنبؤ بنتائج محددة أو تطوير أداة مثالية أو ابتكار لأي سيناريو محتمل. أي بمعنى آخر، يقوم التحدي على التعلم كيف نكون راكبي أمواج أكثر مهارةً.

يقول شون هازلدين، الذي يقود فريق الاتحاد الدولي لتحليل التوجهات المستقبلية: “كيف يمكننا بناء الآليات والثقافات داخل منظماتنا حتى نتمكن من مسح الأفق باستمرار والتكيف مع التغيرات المحيطة بنا؟”.

لا يزال في صميم هذه المناقشات بعض الأسئلة الأساسية والملحة للغاية: ما نوع الحركة التي نحتاجها لمواجه هذه التحديات المعقدة والمتطورة بسرعة، وما الذي ينبغي أن نكون عليه كعاملين في المجال الإنساني في عالمٍ أصبحت فيه حتى الافتراضات الأساسية للأجيال السابقة – بما في ذلك معنى أن تكون إنساناً- موضع تساؤل؟

وعد أم تهديد؟

هل مستقبل البشرية مشرق، في ضوء التغيرات السريعة التي يمكن أن تكون بالغة التأثير؟ أم أن هذه التغييرات القادمة قد تؤدي إلى شيء أكثر سوداوية؟ ماذا يعني كل هذا بالنسبة للعاملين في المجال الإنساني؟

خلال لقاءات متطوعي وموظفي الصليب الأحمر والهلال الأحمر لتدارس التوجهات المستقبلية كجزء من عملية “المستقبل والآفاق” كانت الآراء منقسمة حسب ما أشارت آراثي كريشنان، منسقة ابتكار في الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر المقيمة في كوالالمبور: “رأى حوالي نصف المجتمعين أن التغييرات في المستقبل تمثل فرصة ورأى النصف الآخر أنها تمثل تهديداً”.

ووفقاً لتقارير المتابعة عن ورش العمل، فإن العديد من متطوعي وموظفي الحركة يرون عالماً يتسم بمستويات عالية من الصراع وانعدام المساواة والعزلة – وهو عالم تتعرض فيه القيم الإنسانية للخطر. وفي الوقت نفسه، يتوقع الكثيرون إحساساً جديداً بالهدف، بل والتفاؤل، نظراً للدور الذي تؤديه الحركة في تعزيز التعاطف والمشاركة المجتمعية والقيم الإنسانية في عالم ينفصل بعضه عن بعضه الآخر على نحوٍ متزايد.

وسواء كان التغيير مشرقاً أم مظلماً فإن نتائج هذه التغيير ستنعكس علينا؛ ويحدث هذا بسرعة. لطالما كانت مجاراة التوجهات السريعة وقوى السوق وأذواق المستهلكين بالنسبة لعالم الأعمال عاملاً حاسماً. تقوم الشركات بزيادة استثمارها في تحليل التوجهات المستقبلية مع التغير الذي يحدث بسرعة أكبر، ويأتي ذلك إلى حدٍ كبير من خلال تحليل كميات هائلة من البيانات. وباختصار، تستخدم الشركات المعادلات الرياضية التي يديرها الكمبيوتر للنظر في الأنماط المتكونة في كميات هائلة من البيانات للوصول إلى الاستنتاجات أو لاتخاذ القرارات.

ويتيح التقارب بين الذكاء الاصطناعي والحواسيب القادرة على “التعلم المتعمق” والحوسبة السحابية (التي تسمح بتجميع مجموعات بيانات واسعة ودمجها وتحليلها) طرقاً جديدة للرؤية والفهم والتأثير على السلوك الفردي والتوجهات السياسية والاقتصادية العامة.

البيانات الضخمة

كانت المنظمات الإنسانية تميل إلى عدم الاستثمار في الابتكار أو الاكتشافات التي تطورت في إطار قطاعاتٍ أخرى؛ ولكن هذا بدأ يتغير. ولعل كيفية استخدام “البيانات الضخمة” توفر مثالاً على ذلك. فقد أطلق الصليب الأحمر الهولندي على سبيل المثال المبادرة العالمية 510 التي تسعى إلى جعل المعونة الإنسانية أسرع وأكثر فعالية من حيث التكلفة باستخدام التعلم الآلي للتنبؤ بالأضرار الناجمة عن الأعاصير والزلازل والفيضانات.

يقول مارتن فان دير فين، صاحب مبادرة مشروع الصليب الأحمر الهولندي: “استناداً إلى بيانات الأضرار التاريخية، فإننا قادرون على التنبؤ بشكل متزايد بأثر الكارثة، بعد ساعات من حدوثها. يمكن أن تساعدنا هذه البيانات الأولية على إعطاء الأولوية لعمليات الإغاثة الفورية”.

وتساعد أنظمة التعلم الآلي في الوقت نفسه في سد نانغبيتو على نهر مونو في توغو، مشغلي الطاقة الكهرومائية على التنبؤ بمخاطر الفيضانات وإبلاغ هذه المخاطر إلى المجتمعات المقيمة على مسار مجرى النهر.

ويقول بابلو سواريز، المدير المساعد للبحوث والابتكار في مركز المناخ التابع للصليب الأحمر والهلال الأحمر وأحد المهندسين المعماريين المشاركين في المخطط: “إن سدود الطاقة الكهرومائية تمثل شركاء طبيعيين لهذه المبادرة إذ أنه من الممكن التنبؤ بتوقيت حدوث الفيضانات”.

وقد وضع سواريز وزملاؤه نظاماً يستخدم خوارزمية معقدة لتحليل أنماط هطول الأمطار السابقة والتنبؤ بزمن وصول السد إلى قدرة الاستيعاب الكاملة بعد حدوث فيضانٍ كبير على نهر مونو في عام 2010، حين استغرق وصول تمويل عمليات الإغاثة في حالات الكوارث من مصادر دولية إلى الصليب الأحمر التوغولي مدة 34 يوماً. ثم أصبح إطلاق صناديق الوقاية من الكوارث قبل أي فيضان من الفيضانات يجري على أساس توقعات ذروة تدفق المياه المرجحة.

بياناتي، كرامتي

تمثل هذه المشاريع مجرد مثالين على الدور الذي يمكن للبيانات أن تلعبه في مستقبلنا. وبحلول عام 2018، من المتوقع أن يستخدم نحو 3.6 مليار نسمة – أي ما يقرب من نصف سكان العالم – تطبيق مراسلة واحد على الأقل.

ولا تعد المنظمات الإنسانية استثناء على الإطلاق. ومن الأمثلة على ذلك مبادرة “ماذا الآن؟”، وهي مبادرة تدعمها شراكة بين غوغل والمركز العالمي للتأهب للكوارث التابع للاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، توفر لمستخدمي الهواتف النقالة في جميع أنحاء العالم الإنذار المبكر وتوجيهات العمل.

وتشير البحوث الجديدة التي أجرتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى أنه ينبغي النظر إلى التطبيقات على نطاقٍ أوسع كأداة لرفع فعالية واستجابة العمليات لتلبية الاحتياجات سريعة التطور. ولكن كما أشار تقرير اللجنة الدولية للصليب الأحمر في كانون الثاني/ يناير 2017، إلى الآفاق الإنسانية لتطبيقات التراسل، فإن المنظمات الإنسانية ينبغي أن تدرس خطواتها بعناية.

وتجمع معظم تطبيقات الرسائل مجموعة واسعة من المعلومات حول المستخدمين كإجراء روتيني. لذلك إذا كان عاملو المجال الإنساني يستخدمون تطبيقات المراسلة للوصول إلى مجموعات معينة من المحتاجين، ينبغي عليهم في هذه الحالة حماية تلك البيانات. كما يمكن أن يؤدي جمع هذه البيانات عن غير قصد إلى زيادة المخاطر التي يتعرض لها الأفراد أو الجماعات.

ينبغي أن يكون لدى المنظمات الإنسانية وفقاً لذلك سياسات واضحة وقوية لحماية البيانات تعالج بشكل استباقي مجموعة من القضايا المتداخلة، بدءاً من الموافقة المسبقة إلى تدابير التشفير الفعالة وحقوق الخصوصية، وغيرها من الأمور الأخرى.

ويمثل هذا أمراً هاماً للغاية خارج نطاق استخدام تطبيقات المراسلة، حيث تستخدم المنظمات الإنسانية بشكل متزايد الوسائل الإلكترونية لإجراء التقييمات الميدانية وتسجيل المستفيدين وتحويل الأموال إلى المستفيدين من المساعدات. بل إن البعض يستخدم البيانات البيومترية مثل البصمات اليدوية للتحقق من هوية الأشخاص الذين يتلقون المعونة. وهذا جزء من السبب الذي دفع اللجنة الدولية مؤخراً إلى إطلاق مشروع بحثي مع شركة بريفاسي إنترناشونال لمواصلة استكشاف مخاطر البيانات الوصفية التي تولدها المنظمات الإنسانية.

تحديات جديدة، وأعباء جديدة

في الحقيقة، يأتي مع كل فرصة جديدة، أو توجه أو ابتكار جديد، عدد لا يحصى من المعضلات التقنية والأخلاقية التفاعلية. وستحتاج حركة الصليب الأحمر والهلال الأحمر، إلى تحديد هذه التوجهات وتحليلها والاستجابة لها – وتخفيف الآثار الإنسانية – بسرعة أكبر من أي وقت مضى.

وقد أشارت آنيا كاسبرسن، من اللجنة الدولية للصليب الأحمر ، في مقال نشر مؤخراً على مدونة الاتحاد الدولي للاتصالات، إلى أن هذه الخوارزميات قد قامت بتشخيص بعض أشكال السرطان بشكل أكثر دقة من خبراء الأورام المحنكين.

ونوهت كاسبرسن قائلةً: “في الآونة الأخيرة، أظهرت خوارزمية الذكاء الاصطناعي التي يطلق عليها اسم Libratus وعداً مبشراً للغاية كلاعب بوكر”. المشكلة أنه، على الأقل حتى الوقت الحاضر، لا يزال من الصعب معرفة لماذا اتخذت هذه الخوارزميات قرارات معينة وهذا يجعل الإجراء التصحيحي أو المساءلة صعبة للغاية. وإذا ما تم استخدام الذكاء الاصطناعي لمنح قوة الاستهداف الذاتي لأنظمة الأسلحة، تغدو هذه الأسئلة أكثر خطورة.

وتتابع كاسبرسن في مقالها: “تخيل خوارزمية تحظى بالتعلم المتعمق تثبت قدرة أكثر من البشر في تمييز المقاتلين من المدنيين. ستؤدي معرفة ذلك إلى إنقاذ أرواح المزيد من المدنيين أكثر من صناع القرار الإنساني”، متسائلة هل لدينا الالتزام الأخلاقي الكافي للسماح لهذه الخوارزمية باتخاذ قرارات الحياة والموت؟ أم أن هذا أمر غير مقبول أخلاقياً، مع العلم أن الخوارزمية لن تكن قادرة على شرح المنطق الذي أدى إلى أي خطأ، مما يجعلنا غير قادرين على معالجة قدرتها على تكرار هذا الخطأ؟

“إن فهم الفوائد والمخاطر المحتملة للذكاء الاصطناعي أمر بالغ الأهمية، كما تقول، كما يبدو أننا “على شفا سباق التسلح العالمي في مجال أسلحة الذكاء الاصطناعي… ومن المرجح أن تحول الأنظمة الأسلحة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي الحروب الحديثة تحويلاً كبيراً كما فعل البارود والأسلحة النووية في يوم ما”.

لاعبون جدد، مجال جديد للعب

سواءً كانت هذه التغييرات سيئة أم جيدة، فإن التغييرات الكبيرة التي تؤثر على العمل الإنساني لا تأتي جميعها من التكنولوجيا الجديدة. إن الجهات الفاعلة الإنسانية الجديدة تغير طريقة مشاركة الناس في الاستجابة الإنسانية، بما في ذلك التحالفات الإبداعية بين الجهات الفاعلة الخاصة والعامة والمجتمعية.

وتقول راميا غوبالان، منسقة الابتكار في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر: “تعمل موجة جديدة من مؤسسات التأثير الاجتماعي مع المنظمات غير الحكومية على تصميم الحلول وجذب أشكال بديلة من التمويل. وغالباً ما تتبنى هذه المشاريع المؤثرة اجتماعياً أساليب وميول إدارة المشاريع الناشئة”.

وبالنسبة إلى الحركة، لطالما كانت التجربة من أعظم الأصول التي تستند عليها. ولكن يمكن لهذا أن يشكل عائقاً في هذا العالم الجديد. وتقول غوبالان: “العديد من المنظمات الكبيرة مثل منظمتنا لديها نهج معتمد، ولكننا نعتقد أننا سنبقى في هذا المجال لأن الحال كان هكذا على الدوام. إلا أن هذا النهج لم يعد ينطبق اليوم”.

وبما أن المنظمات الإنسانية تواجه ضغوطاً أكبر من الجهات المانحة لتطوير نموذجها التشغيلي وتنسيق أعمالها بشكل أفضل، بما في ذلك مع المجموعات المحلية والقطاعات الأخرى، فإن فهم هذه التوجهات سيكون أمراً حاسماً.

يقول بيتر والتون وفيونا تاربي، رئيس ومديرة الاستراتيجية الدولية والسياسات في الصليب الأحمر الأسترالي في مقال لموقع الصليب الأحمر والهلال الأحمر على شبكة الإنترنت rcrcmagazine.org)): “إن المنظومة البيئية للعمل الإنساني تصرخ من أجل التغيير، ويتطلب هذا تحولاً جذرياً في نمط التفكير”.

ومن الأمثلة على ذلك المشروع الرائد للصليب الأحمر الأسترالي في فانواتو لإشراك الموردين المحليين في تقديم المعونة. وتقوم الفكرة على أن الشراكات بين الموردين المحليين والوكالات الإنسانية والحكومة يتم تشكيلها لزيادة قدرة الشركات المحلية على توفير السلع والخدمات من الاستجابة السريعة الأولى. ومن شأن ذلك أن يحضر الإغاثة بسرعة أكبر لمجتمعات الجزر التي يصعب الوصول إليها، وأن يحفز الاقتصاد المحلي أيضاً.

ولن يخلو هذا التغيير مع ذلك من المحاذير، ويكمن التحدي الكبير الذي تواجهه الحركة في التكيف مع التغيير مع ضمان احترام القيم التي ضمنت سمعتها كمزود موثوق ومحايد للإغاثة المحايدة على مدى أكثر من 150 عاماً.

يقول جون سويني، منسق فريق التوقعات والآفاق في الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر: “الأمر لا يتعلق بالتخلص من تقاليدنا وثقافتنا. بل يتعلق بكيفية الاستفادة من الفرص ومواجهة التغييرات التي تحدث، وإيجاد الإجراءات الفعالة وتوسيع نطاقها، مما يجعلها تشكل الوضع الطبيعي الجديد ثم تستمر في التحور والتطور”.

الموجات الشفافة في الصورة يصفها مبتكرها بابلو سواريز، مدير البحوث في مركز المناخ التابع للاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، باعتبارها “منحوت بيانات”. وتمثل الذروات والمنخفضات اختلافات في تدفق المياه في اتجاه المنبع وفي اتجاه المصب لسد في توغو، حيث يجري استخدام برنامج التعلم الآلي للتنبؤ بمخاطر الفيضانات.

 الصورة: جانوت مندلر دي سواريز / مركز المناخ التابع للاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر

ذات صلة

هبوط سلس

بالنسبة للمتطوعين مثل سامي راهيكاينين، فإن بناء الثقة مع المهاجرين الذين يأتون إلى مكان جديد بحثًا عن حياة جديدة أمر بالغ الأهمية. هذه قصته.

النهر الذي يُعطي ويسلب

تشكل مخاطر الفيضانات التي تتعرض لها مقاطعة رانغبور في بنغلاديش تحدياً كبيراً يعترض حياة الناس في مجتمعات الصيد المحلية الصغيرة. ولا يزال الناس، حتى بعد الدمار الذي خلّفه موسم الرياح الموسمية في عام 2019، يسعون جاهدين لإعادة بناء سبل عيشهم من نقطة الصفر.

هذا المنشور متوفر أيضًا ب:

اكتشف المزيد من القصص

احصل على قصص تستحق المشاركة وتُرسل إلى صندوق بريدك

ترغب في الاطلاع على آخر المستجدات؟

قد يثير هذا اهتمامك...

حدائق الصحة

مقدمة: في العيادات الصحية والمستشفيات المنتشرة في أنحاء زمبابوي، تُعنى الأمهات والأمهات الحديثات الإنجاب بالحدائق المستدامة لتوفير وجبات حيوية ومُغذّية على الرغم من قسوة المناخ

القِ نظرة