هبوط سلس
بالنسبة للمتطوعين مثل سامي راهيكاينين، فإن بناء الثقة مع المهاجرين الذين يأتون إلى مكان جديد بحثًا عن حياة جديدة أمر بالغ الأهمية. هذه قصته.
vc_edit_form_fields_attributes_vc_
سبتمبر 2019 |
بقلم مانويل رويدا
مانويل رويدا صحفي مستقل مقيم في
بوغوتا، كولومبيا
الإنتاج والتحرير
ايرينا روانو
في ساحة فرع الصليب الأحمر الفنزويلي في كاراكاس، تُطلع سايباسي أبونتي متطوعين جدداً على بعض من مهارات الإسعافات الأولية التي تعلمتها خلال التدريب الذي تلقته – وبعض الدروس التي استقتها من الشوارع بوصفها عاملة إنقاذ وعضو في فريق الإسعافات الأولية الذي يقدم المساعدة للناس أثناء مشاركتهم في الاحتجاجات السياسية.
وتسأل متطوعين شابين، أسندت إليهما مهمة تقييم حالة متطوعة أخرى تؤدي دور شخص تعرض لإصابات شديدة على مستوى البطن: “هل المريضة واعية؟”.
فأجاب أحدهما: “إنها فاقدة للوعي”.
وتواصل أبونتي أسئلتها فتقول: “هل وضعت ضمادة على موضع إصابتها؟”
ولا يتعلق الأمر هنا بمجرد عقد دورة تدريبية بشأن كيفية استخدام الضمادات وإجراءات الإسعافات الأولية. ولكنه يتعلق بالكثير من المعلومات الأخرى التي يتعين على المتطوعين معرفتها. وتقول أبونتي: “يتمثل دورنا في مساعدة جميع المحتاجين”. وتضيف قائلة: “نقصد الشخص الذي هو في أمس الحاجة إلى المساعدة، ونوفر له العلاج ثم ننتقل إلى الشخص الذي يليه. ونحن لا نمارس التمييز”.
وتردف قائلة: “نساعد الجميع بصرف النظر عن العرق أو الدين أو الانتماء السياسي. ونشعر بالفخر لوجودنا في هذه الأماكن لتقديم المساعدة”.
وليس من السهل أبداً تنفيذ عمليات الفرز في مواقع الأحداث – حادث مرور أو كارثة طبيعية أو تجمعات عامة كبيرة. وقد كان على المتطوعين أيضاً أن يجسدوا، خلال الاضطرابات الأخيرة التي شهدتها فنزويلا، المبادئ الأساسية مثل مبدأي الإنسانية وعدم التحيز، تجسيداً دقيقاً. ويشكل هذا التفاني الذي يكرسه المتطوعون يومياً لعملهم ولهذه المبادئ أحد الأسباب التي مكنت الجمعية الوطنية من الحفاظ على ثقة الناس وجعلت منها الجهة الرئيسية المقدمة للمساعدة الإنسانية في فنزويلا.
وفي وقت لاحق من اليوم نفسه، سعت أبونتي إلى تعزيز هذه الرسالة أثناء إدارتها لنقاش بين متطوعين جدد بشأن مبدأي عدم التحيز والحياد اللذين تلتزم بهما الحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر. وخاطبت أفراد المجموعة قائلة: “فلنفترض وجود نزاع بين طرفين اثنين”. وأضافت قائلة: “هناك مصابون من كلا الجانبين. فماذا عليّ أن أفعل؟ سوف أقدم المساعدة لكلا الجانبين، لأننا جهة محايدة. ولا يهمني من يكون الطرف الذي أتعاطف مع أفراده. ونحن نتعاون مع كلا الجانبين”.
لا يثبت المتطوعون من أمثال أبونتي جدارتهم بالكلام فحسب ولكن بإعطاء القدوة. ولا يبينون فقط أن بإمكان الناس إنجاز أشياء عظيمة، بل يبينون أيضاً أنهم ليسوا سوى أشخاص عاديين تراودهم الآمال والأحلام التي تراود أي شخص آخر.
وتتابع أبونتي، على سبيل المثال، دراستها لتتخرج ممرضة من أكاديمية التمريض التابعة للصليب الأحمر الفنزويلي.
وتوضح قائلة: “تستغرق الدراسة وقتاً وتتطلب تفانياً”. وتردف قائلة: “على غرار ما أفعله في أعمال الإنقاذ التي أضطلع بها، فأنا أتوجه إلى الجامعة صباحاً وأظل بها من الساعة 7:30 صباحاً حتى الساعة 12:30 بعد الظهر. وبعد أن أنتهي من دروسي، التحق بفريق الإنقاذ حيث تنتظرني دوماً أعمال يتعين عليّ أداؤها”.
وكثيراً ما تعرج أبونتي على مجمع سكني يقيم فيه العديد من المسنين الذين غادر أبناؤهم البلد بسبب الظروف الاقتصادية العصيبة. وتقدم مع متطوعين آخرين تابعين للصليب الأحمر الدعم النفسي-الاجتماعي في هذا المجمع. وتوضح قائلة: “لقد عملت متطوعة هنا لمدة أربع سنوات تقريباً”. وتضيف قائلة: “وكان ذلك تحدياً صعباً، ولكنه أتى أيضاً بثماره. ولقد أتاح لي العمل التطوعي التعرف على أشخاص جدد، أشخاص يحملون أفكاراً مختلفة. ومساعدة الناس دون الحصول على أي شيء في المقابل، باستثناء تلقي ابتسامة أو إشارة تدل على الامتنان. هو سلوك في غاية اللطف”.
وحينما لا تكون أبونتي في خدمة الآخرين، فهي تمضي وقتها مثلما يفعل معظم الشباب الآخرين. وتقول في هذا الصدد: “لا أغادر المنزل حينما لا أكون في الصليب الأحمر أو في كلية التمريض. وأشاهد الأفلام على شاشة حاسوبي. وقد أؤدي واجباتي أو أقوم ببعض البحوث. أو أذهب إلى حيث تكون أمي أو أقضي بعضاً من الوقت مع أختي ليجيا”
وتسترسل قائلة: “أرغب في مواصلة الدراسة. والتحول نحو ممارسة وظائف أخرى مثل العمل في السياحة أو كمضيفة طيران. وأود أن أتعرف أكثر على فنزويلا وأن أزور بلداناً أخرى، مثل كولومبيا أو فرنسا أو ألمانيا، أو كوراساو [جزيرة في منطقة البحر الكاريبي]، وأنا أرغب حقاً في زيارة كوراساو”.
ومهما يكن الطريق الذي تسلكه أبونتي، فإنها بالتأكيد ستذهب بطموحاتها بعيداً. وسوف تساعد بلا ريب الآخرين على طول هذا الطريق. وتتحدث عن عملها في الصليب الأحمر فتقول: “نرغب في تحقيق المزيد من التحسن”. وتستدرك قائلة: “نود الاستمرار في مساعدة أبناء الشعب الفنزويلي وخدمتهم حتى تتحسن نوعية معيشتهم ولو بالقدر اليسير”.
ترك لويس لاموس، وهو طبيب في الثلاثين من العمر، عيادته الخاصة في كاراكاس بسبب انقطاع التيار الكهربائي بشكل نهائي. ومن أجل كسب لقمة العيش، فهو يمارس مهنته الآن من خلال إجراء زيارات منزلية. ولكنه يذهب أيضاً إلى مناطق المجتمعات المحلية ليعمل كمتطوع يقدم فحوصات طبية مجانية، ويوفر الأدوية متى أمكنه ذلك، ويساعد الناس على مواجهة الأمراض التي يمكن الوقاية منها. وهو يتطوع مرة كل أسبوع في مستشفى الصليب الأحمر في كاراكاس، حيث يتابع حالات المرضى بالمجان. ويوضح قائلاً: “نذهب إلى مناطق المجتمعات الحضرية والريفية على حد سواء. ونستقبل أحياناً ما بين 50 إلى 60 مريضاً ونقوم بفحصهم جميعاً خلال الفترة الصباحية من اليوم، وقد يصل عدد المرضى أحياناً أخرى إلى 100 شخص بل قد يبلغ 150 شخصاً”، وأفاد بأنه يصف العلاج لأشخاص يعانون من مختلف الأمراض، من ارتفاع ضغط الدم إلى الطفح الجلدي الشديد والإسهال الذي يحدث بسبب رداءة نوعية المياه. ويردف قائلاً: “لقد تدربت لدى الصليب الأحمر لمدة ثلاث سنوات، ولذا، فهذه هي طريقتي في رد شيء من الجميل الذي أسدي إليّ”.
في مدينة ماراكايبو الساحلية الواقعة غرب فنزويلا، تستعد زوليدي ميدينا لاستقبال يوم آخر تساعد فيه الآخرين، حتى وإن كانت بدورها تواجه العديد من المصاعب التي يواجهها من تعمل على مساعدتهم. وتقول ميدينا، وهي ممرضة ومدرسة في الأصل: “حينما تكون هناك كهرباء، أستيقظ على الساعة 06:30 صباحاً وأغسل أسناني بالفرشاة وأستحمّ وأخرج”. وتضيف قائلة: “وحينما ينقطع التيار الكهربائي، أستيقظ على الساعة 3:00 صباحاً بسبب عدم إمكانية تشغيل المروحة وحرارة الجو الشديدة. وهناك الكثير من الذباب وليس بالإمكان الإخلاد إلى النوم”. وتسترسل قائلة: “ولا يمكن الاستحمام في الكثير من الأحيان، لأنه لا يمكن ضخ الماء خلال فترة انقطاع تيار الكهرباء”. وفي الآونة الأخيرة، توجهت ميدينا في يوم من الأيام إلى أحد المجتمعات الأصلية التي يعيش أفرادها خارج المدينة لتدريب أطفال الطور الابتدائي على عمليات الإخلاء في حالات الزلازل. وتوقفت أثناء الطريق عند ثلاثة متاجر كبيرة لشراء مواد غذائية بسبب قلة الموارد التي تخصصها المدرسة لإطعام الأطفال. وقد أغلق اثنان من هذه المحلات أبوابهما بسبب نقص المواد الغذائية وانقطاع التيار الكهربائي. وتوضح ميدينا قائلة: “إننا نمر جميعاً بأوقات عصيبة”. وتضيف قائلة: “ولكن هناك أشخاصاً يعيشون في ظروف أكثر هشاشة وبوسعنا فعل شيء لمساعدتهم”.
تنطوي القوانين التي ترمي إلى الحد من الدعم المقدم للجماعات التي تعتبر “إرهابية” على آثار غير مقصودة على المعونة الإنسانية – في الأماكن التي تشتد فيها الحاجة إلى هذه المعونة.